أنواع الحبكات الكلاسيكية في الأدب: دليلك المصغر


 

المقدمة

إن القصص لا تشبه بعضها إلا لو تقصد الكاتب فعل ذلك، سوف يظهر التفرد والاختلاف في كل سطر يكتبه الكاتب ولو تشابهت القصص. ولكن الحبكة العامة تتكرر على مر العصور، تمامًا كما تتكرر التجارب الإنسانية في كل عصر مر على التاريخ. فالجوع، والحرب، والمعاناة، والنجاح، وغيرها هي أمور يمر بها كل انسان.

في هذا المقال سوف نتعرف على أشهر الحبكات الكلاسيكية في الأدب. ويمكنك فيما بعد استخدام هذا المقال للمراجعة سواء كنت قارئًا نهمًا أو كاتبًا طموحًا.

فلنبدأ بتعريف الحبكة الروائية:


تعريف الحبكة الروائية:

الحبكة الروائية هي سلسلة من الأحداث المترابطة والمتصاعدة التي تشكل العمود الفقري لأي قصة أو رواية. هي الخطة أو الهيكل الذي يدفع القصة إلى الأمام ويمنحها تماسكًا وهدفًا. تتضمن الحبكة عادة صراعًا مركزيًا يواجهه البطل، وتتطور عبر مراحل حتى تصل إلى الذروة، ثم تنتهي بحل لهذا الصراع. 

الحبكة هي العمود الفقري لأي عمل أدبي، والذي تقوم عليه الشخصيات ويظهر من خلاله الصراع. إنه يعطي القصة شكلها النهائي ويجعل القارئ منشدًا حتى النهاية. اقرأ المزيد عن الحبكة في مقال:  كيف تكتب قصة؟ 5 خطوات لأي كاتب مبتدئ



مكونات الحبكة الأساسية:

١- المقدمة (التمهيد):

هنا نتعرف على الشخصيات والعالم الذي يخوضون فيه من زمان ومكان وقواعد. تطول المقدمة أو تقصر حسب مدى ما يحتاج القارئ استيعابه لفهم القصة. على سبيل المثال في العادة تطول مقدمة كتب الفانتازيا بسبب اختلاف جذري في العالم والمفاهيم، والذي يتوجب على الكاتب إيضاحها للقارئ قبل أن يدخل في المراحل الأخرى من الحبكة.

 

٢- الحدث المحفز (الشرارة):

الحادثة التي تغير الوضع الراهن وتدفع البطل إلى اتخاذ قرار أو الدخول في مغامرة. قد يكون ذلك حادثة مأساوية، أو انتقال لمرحلة جديدة، أو سئم من الوضع الراهن.

 

٣- تصاعد الأحداث (التعقيد):

سلسلة من التحديات والعقبات التي تواجه الشخصية الرئيسية، وتزيد من التوتر.



٤- الذروة (اللحظة الحاسمة):

أكثر لحظة توترًا وتشويقًا في القصة، وهي النقطة التي تُختبر فيها الشخصية الرئيسية بشكل حاسم. يصطدم الشخصية الرئيسية في الأحداث ويحدد إن كان سيخرج منتصرًا أو خاذلًا.

 

٥- الانحدار (الانفراج):

ما يحدث بعد الذروة، حيث تبدأ الأمور بالانكشاف والاتجاه نحو الحل.

 

٦- الخاتمة (النهاية):

يُحل الصراع الأساسي، وتُغلق القصة بطريقة توضح مصير الشخصيات أو تقدم رسالة للقارئ.



قائمة موجزة من الحبكات الكلاسيكية: 

١- حبكة البطل (Hero’s Journey)

في هذا النوع من الحبكات، ينطلق البطل في مغامرة مليئة بالتحديات والصعاب، يواجه خلالها قوى معادية، ثم يعود بعد أن تغير، وقد اكتسب الحكمة أو حقق النصر. 

تعتبر هذه الحبكة من أكثر الأنماط انتشارًا، لأنها تعكس رحلة الإنسان في البحث عن ذاته. 

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: الأوديسة، سيد الخواتم.

أمثلة معاصرة:

هاري بوتر (سلسلة J.K. Rowling): تبدأ رحلة البطل من كونه فتى عاديًا إلى اكتشاف عالم السحر وخوض معارك ضد قوى الشر.
موآنا (فيلم ديزني): فتاة تنطلق في مغامرة بحرية لإنقاذ جزيرتها وتكتشف قوتها الداخلية.

 

٢- حبكة الصراع مع الطبيعة (Man vs. Nature)

تُصور هذه الحبكة الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة، مثل العواصف أو الحيوانات المفترسة أو حتى الكوارث البيئية. هذا النوع يعكس ضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة الهائلة، وقدرته على التكيف والصمود.

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: الشيخ والبحر.

أمثلة معاصرة:

The Revenant (العائد): رجل يصارع البرد القارس والحيوانات الجائعة والظروف الطبيعية بعد أن تركه رفاقه ليموت.

Life of Pi (حياة باي): صبي ينجو من غرق سفينة ويصارع المحيط والحيوانات المفترسة على قارب صغير.

 

٣- حبكة الصراع مع الذات (Man vs. Self)

هنا تدور القصة حول الصراع الداخلي الذي يعانيه البطل، سواء كان شكًا في قدراته، أو صراعًا مع ضميره، أو محاولة التغلب على مخاوفه. هذا النوع من الحبكات يجعل القارئ يغوص في أعماق النفس البشرية.

 ولأن هذه الحبكة تدخلنا في دوامة أفكار البطل، تجعل التصرفات التي تبدر منه مقبولة وإن كانت تصنف من الشر، وذلك بسبب معرفتنا الدوافع وراء فعلته. أي أنه يبني في القارئ التفهم تجاه الأفعال التي تبدر من البطل وإن لم تعجبه.

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: مكبث، الجريمة والعقاب.

أمثلة معاصرة:

Black Swan (البجعة السوداء): راقصة باليه تدخل في دوامة نفسية من الطموح والضغط الذاتي والشك في الذات.

Joker (الجوكر): رجل يعاني من الرفض والاضطرابات النفسية ويتحول تدريجيًا إلى رمز للفوضى.

 

٤- حبكة الصراع مع المجتمع (Man vs. Society)

في هذا النوع، يواجه البطل الأعراف أو القوانين أو الأنظمة الظالمة في مجتمعه، ويكون الصراع بين الحرية الفردية والقيود الجماعية.

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: 1984، مزرعة الحيوانات.

أمثلة معاصرة:

The Hunger Games (ألعاب الجوع): فتاة تتمرد على نظام ظالم في دولة مستقبلية.

The Handmaid’s Tale (حكاية الجارية): مقاومة نساء لنظام استبدادي يستعبد النساء.

 

٥- حبكة الحب (Romantic Plot)

تركز هذه الحبكة على تطور العلاقة العاطفية بين شخصين، وغالبًا ما تواجه هذه العلاقة عقبات تمنعها من التحقق بسهولة، مثل الفروق الطبقية أو رفض العائلات أو الظروف المعاكسة.

تجد فئة من القراء من يهوى هذا النوع من الحبكة، وفئة أخرى لا تقربها أبدًا.

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: روميو وجولييت، كبرياء وتحامل.

أمثلة معاصرة:

La La Land: حب يتطور وسط طموحات فنية مختلفة.

The Notebook: قصة حب طويلة تتغلب على المرض والزمن.

 

٦- حبكة الانتقام (Revenge Plot)

تدور حول شخصية تعرضت للظلم وتسعى للانتقام ممن أساءوا إليها، مما يؤدي غالبًا إلى تطورات درامية مثيرة. تبدأ القصة بحدث مأساوي والذي بدوره يؤدي لسلسلة من الأحداث المأساوية غرضًا في الانتقام.

أمثلة من الأدب الكلاسيكي: هاملت، الكونت دي مونت كريستو.

أمثلة معاصرة:

John Wick: سلسلة تبدأ بانتقام رجل من قاتلي كلبه، وتتسع لتشمل شبكة إجرامية كاملة.
Gone Girl: انتقام معقد نفسيًا وخداع إعلامي في قصة اختفاء غامضة.

 




لماذا نحتاج لفهم الحبكات الكلاسيكية؟

  • تساعد الكتّاب على بناء قصص متماسكة.
  • تمنح القرّاء إطارًا لفهم تطورات القصة.
  • تشجع على الإبداع وإضافة لمسة جديدة للحبكات المعروفة.

فهم الحبكات الكلاسيكية يمنح الكُتاب أدوات قوية لبناء قصص متماسكة وجذابة، كما يساعد القراء على تحليل النصوص بعمق أكبر. هذه الأنماط ليست قوانين صارمة، بل أدوات يمكن تعديلها ومزجها لإبداع قصص جديدة وفريدة.



كيف يمكن استخدام هذه الحبكات في الكتابة الحديثة؟

في عالم الكتابة الحديث، يمكن للكتّاب استخدام الحبكات الكلاسيكية كأساس قوي لبناء قصصهم، ثم تطويرها وإضافة عناصر مبتكرة لتتناسب مع القضايا المعاصرة واهتمامات القراء. 

المهم هو ألا يتم نسخ هذه الحبكات كما هي، بل إعادة تقديمها بشكل يعكس صوت الكاتب وأسلوبه الفريد.

كذلك، يمكن للكتاب الدمج بين أكثر من حبكة في القصة الواحدة؛ مثلاً، يمكن أن تكون القصة رحلة بطل وفي الوقت ذاته صراعًا مع الذات أو مع قوى المجتمع. هذا الدمج يضيف عمقًا وتعقيدًا للأحداث، ويجعل القصة أكثر ثراءً وإثارة للاهتمام.



خاتمة

وفي الختام نحن ندعو الكاتب لتجربة أنواع مختلفة من الحبكات التي وإن مضى عليها الكثير من الزمن تظل قابلة للتطبيق في عصرنا الحالي. وكل الأمثلة التي تم ذكرها يمكن تطبيقها في القصص الحديثة.

الحبكات الكلاسيكية هي مرآة تعكس رحلاتنا وتجاربنا كبشر، وما زالت تلهم الأدب حتى يومنا هذا. ككاتب، لا تتردد في استخدام هذه الأنماط كأرضية تنطلق منها، وأضف لمستك الخاصة لتخلق قصتك المميزة. أما كقارئ، فالتعرف على هذه الحبكات سيجعلك أكثر وعيًا بتفاصيل القصص التي تقرأها، ويُثري تجربتك الأدبية.





    إرسال تعليق

    0 تعليقات