أروى السفاحة

كان صباح الأحد، وبداية أسبوعٍ حافل. قضت الطالبة أروى بالأمس ليلتها في استذكار الدروس حتى أول ساعات الصباح، فاستيقظت اليوم وأمارات التعب تلاحق خطاها. بقيت تتأمل الساعة فاهية لفترة حتى استوعبت أن الوقت قد تأخر. أسرعت بترتيب شعرها وارتداء ملابسها، وفي خلال فترة وجيزة حطت أرجلها عتبة الباب. طالبتنا النجيبة لم ترد أن يفوتها اليوم. فاليوم ستمارس هوياتها المفضلة (التعذيب).

لحسن الحظ تمكنت من إدراك المحاضرة في الوقت المناسب. كانت المحاضرة تطبيقاً عملياً للقسطرة. استأثرت لنفسها الصف الأمامي رغم تأخرها دافعة الناس بكل عنف للخلف. وجلست تستمع للشرح وفي بالها اندفعت الأفكار.

انقضت الساعتان فأعلنت الطبيبة المسؤولة انتهاء المحاضرة. خرجت الطالبات وهم يتنفسون الصعداء. سرهم أن يوماً مملاً آخر قد انتهى. راقبتهم أروى من مقعدها بصبر نافذ. وما هي إلا دقائق حتى اختفى الجمع الغفير واستفردت هي مع دمى المحاكاة.

اقتربت من احداها وبابتسامة شنيعة قالت في نفسها: "أعلم أنك مجرد دمية محاكاة، وأن لا سبيل لإيلامك. لكنني بحقدي سأزرع فيكِ ألماً يبرحك لأرضي نفسي المريضة". ما كان لها أن تدعهم يرونها على هذه الحالة، لذلك آثرت القعود بعد رحيلهم لِتُخبت ما يكبت بداخلها.

أدخلت الأداة الحادة في بدن الدمية المسكينة مراراً وتكراراً بعنف تشمئز له الأفئدة، حتى بلت الدمية وأصبحت من فرط اهترائها لا تصلح للاستخدام. أكملت المنظر الدامي بنثر دمائها على الدمية. فتطاولت الدماء حتى كست يديها ووجها. وعندها فقط شعرت بالرضى.

شعرت بوجود أحدهم. أدارت رأسها ووقع بصرها على فتاة تناظرها بذعر. "من أين ظهرت، ومنذ متى وهي تشاهد؟" هذا ما دار في خلدها. امتقع وجهها وأفلتت ما بيدها. توجهت دون تردد ناحية الدخيل الذي قاطع متعتها.

أمسكتها من وجهها وأطاحت بها على الأرض. أرادت الفتاة المسكينة أن تصرخ إلا أن يديّ أروى سبقتها. أطبقت على فمها وبدأت بعصر حلقها، عصراً لا يليق بإنسان.

ناورت الفتاة حتى أفلتت وسددت بقدمها الحرة ركلة فكتها من الأسر. ومن ثم هربت ناحية المنفذ الوحيد. وباندفاع حاولت فتح الباب فأبى. تسلل الذعر إلى أعماقها. ازدرت ريقها وبحرص حاولت من جديد. ولكن لا فائدة. هذا المبنى موصول بمنافذ كثيرة ولأسباب عدة كان الباب الذي تنتهي حاجته يُغلق. اعتقد العاملون أن جميع الطالبات قد خرجن ولذلك أغلقوا المخرج.

تناهى إلى سمعها خطوات أروى الغاضبة تتسارع باتجاهها. فتركت الباب العنيد واندست وراء طاولة الاستقبال. مرت أروى من جوارها غير عابئة بها بعد أن تملكتها الهواجس. إن وصل صوت هذه الفتاة للمسؤولين لسوف تطرد من كلية الطب بلا شك. وستضطر أن تتخلى عن حلمها في ممارسة التعذيب بشكل قانوني.

انسلت الفتاة من مخبأها المكشوف إلى غرفة نائية بدت أكثر أماناً. بقيت فيها مرتعدة من ظلال أروى الهائمة في الأرجاء. علمت أروى أن المخرج مغلق وأن لا سبيل لها للهرب، لذلك واصلت النضال في سبيل إيجادها. أُغلقت الأنوار، وانطفأت الكهرباء. لكن البحث لم يدم طويلاً. فبعد ساعة من الصمت المطبق، تراء إلى الفتاة ظل ذبابة فحسبته جنياً وتعالى صياحها.

ابتسمت أروى وهرعت إلى مصدر الصوت. أطالت التحديق في وجه الفتاة المرتعب. اقتربت بخطوات ثابتة وقالت:" لا تقلقي سأجهز عليكِ بضربة واحدة دون ألم." استجمعت الفتاة شجاعتها وقالت:" هل تعلمين من أنا؟". ردت عليها أروى بنظرة متعالية يملأها الشك "من؟". فردت الفتاة "أنا بنت باعظيم".

فغرت فاهها محاولة الإنكار ولكن الأحرف اُنتزعت منها وفقدت قدرتها على التعبير. شحب وجهها، وتراجعت للخلف ببطء وهي تتخبط بخطواتها. فإذا بحظها العاثر يوقعها على سلة المهملات الحادة التي تركت مفتوحة بإهمال. استقبل جسدها الهزيل نغز الإبر وقبل أن تشكو من شدة الألم وصلت احداها إلى قلبها. لقيت حتفها في سبيل ممارسة هواياتها المريضة.

 اختبأت الفتاة الأخرى منتظرة الصباح أن يطلع. لتتسلل بهدوء من أول باب يُفتح. بينما بقيت جثة أروى تأنسها الظلمة.

في الصباح التالي اقتحموا المبنى المغلق والكشافات تصاحب أيديهم. فتشوا بين ظلال الأشياء في ذلك العتم الخانق. ووجدوها تقبع بين أسرة مرضى المحاكاة. كانت جثة هامدة تحدق في الفراغ. لو أنهم أرهفوا سمعهم قليلاً قبل ساعات لما وقعت هذه المأساة. وعلى إثرها أُقفلت الكلية.

أتوا على جثمانها وأعينهم تفيض بالدمع. تبادلوا عبارات التعازي والحزن، وبعد أن فرغوا، اجتمعت ألسنتهم على قول "كانت أكثر إنسانة شرانية في الدنيا وها قد فقدناها". ألقوا بالأسى ومن ثم انصرفوا إلى بيوتهم آمنين.


أروى السفاحة



    إرسال تعليق

    0 تعليقات