استيقظ الفتى من نومه على صوت همهمات مخنوقة كان
مصدرها الوحش الذي يسكن تحت السرير. هرع باكياً إلى أحضان أمه، فهدأته ببضع كلمات
حانية حتى توقف عن البكاء.
ما أن هدأ حتى تأجج الفضول بداخله. وأراد أن يعرف
أكثر عن ما يدعى بالوحش تحت السرير. عسى أن تبدد المعرفة ما استوطن في قلبه من
مخاوف بسبب الجهل. فسأل أمه: "أمي ماهي أسطورة الوحش تحت السرير؟"
فسردت عليه أمه القصة التي تناقلتها الأجيال:
"دعني أحكيها لك يا صغيري."
"في زمن الإغريق وجد رجل يسمى زيوس. لا أعلم
شيئا عن عمله أو مكانته أو حتى هويته. لكن ما أعرفه أنه كان سريع الغضب لا يفتأ أن
يبطش بخصمه إذا ما داهمته الرغبة.
وفي إحدى الأيام كان يقوم بجولة في أسوار المدينة
وتوقف في سوق قاطع طريقه. ووجد من بين الناس فتاة تحمل كيساً ثقيلاً. أراد أن يبدو
بمظهر الشاب الجسور فاقترب منها وعرض عليها أن يحمله. حاولت ان تعارضه لمعرفتها
بأطباعه لكنه أصر. حمله عنوة رغم المقاومة فتناثرت مكونات الكيس في الأرجاء. كان
يحوي الكيس جمرا وحطباً يستدعي النقل ساخناً. فتطاول بعض منه إلى وجهه ويديه
فأحرقه.
غضب رغم تسببه بما حصل وقرر أن يصب جل غضبه على
الفتاة المسكينة. ورغم اعتذارها إلا أن الغضب أعماه، وحولها بفعل لعنته من فتاة
جميلة إلى مخلوق يملك حراشف بدل الجلد، ورؤوس ثعابين سوداء بدل الشعر، وأظافر
طويلة وصلبة تصلح لتسلق الجبال وتقطيع الأخشاب. كانت إحدى ضحاياه الكثر. غرقت
المسكينة في بؤسها ولم تستطع أن تكمل حياتها التي كانت عليها. فاتخذت من الأكواخ
المهجورة والكهوف المظلمة منزلاً. تخرج ليلا لجمع قوتها وتحبس نفسها فيه إذا ما
طلع النهار.
شوهدت عدة مرات على نحو الصدفة في تلك الفترة
وتداول الناس قصصاً ورواياتٍ مختلفة عنها. وتناقلت الأجيال تلك القصص. منها ما قد
حُرف ومنها ما قد بقي كما هو. حتى اختفى أثرها ولم يبقى منها سوى تلك القصص. عندها
أصبحت تعرف بأسطورة الميدوزا.
مع النهضة وتطور الحياة انقرضت مدنٌ وقرى. ومع
اختلاف الأوضاع حُرفت القصص لتناسب الحياة الراهنة. وأصبحت الميدوزا تسكن تحت
الأسرة، حيث أن الظلمة التي تقبع تحت السرير تحاكي إلى حد كبير ظلمة الكهوف
المعتمة التي كانت تعيش فيها."
ظلت هذه الأسطورة القديمة ترعب أجيالاً من الأطفال.
ورغم أن الجميع يعرف مصدر الأصوات تحت السرير إلا أن لا أحد يجرؤ على إخراجها مما
هي فيه. فهي في النهاية ضحية يشفق المرء على حالها. ورغم شكلها المخيف وصوتها
المرعب إلا أنها مسالمة لا تؤذي أحداً. ولا ترجو من الاختباء تحت الأسرة إلا
التحصن.
وإن كنت قد استيقظت يوماً ملاحظاً اختفاء الطعام من
الثلاجة، فاعلم أن الميدوزا قد قامت بجولتها الليلية للبحث عن الطعام.
لقراءة النسخة المصورة من القصة اضغط هنا
0 تعليقات