دقائق معدودة تفصلنا عن إغلاق الشبابيك ورفع صافرة الإنذار، وبحلول ذلك يضطر الواقف والقاعد إلى الرحيل والعودة للمحاولة لاحقًا.
الأمر أشبه بصراع للقمة العيش، قد تخرج بقطعة أو قطعتين، ولكنك لا تغادر مرتاح البال، فما زال عليك العودة في الغد والمحاولة من جديد. تبدو كسجين خرج من السجن وهو مكبل بالأصفاد، ويرجو أن يحل الغد لكي يعود إلى سجنه ويطالب بفك القيود.
حروب تُفتعل وشتائم تُطلق في سبيل إخراج هذا العبد الضعيف إلى الحرية.
نحن هنا يا عزيز القارئ لا نتحدث عن إفراج أسرى الحرب، أو إفراج المساجين المظلومين، أو حتى إفراج المعذبين من استبداد معذبيهم.
بل نتحدث عن إفراج المريض وإطلاقه للحياة خارج المشفى بعد أيام وأسابيع من كونه حبيسًا فيها.
تدق عقارب الساعة ومع كل دقة نقترب من موعد إغلاق نوافذ الصيدلية، ولا سبيل لإخراج المريض دون علاجه. وإذا ما انتهيت من سباق الزمن واستطعت جلب الدواء لمريضك تلتقي بحرب المعادن. تلك التحاليل التي أرسلتها صباحًا ونسيت أمرها تباغتك في هذا الوقت بالذات بمستواها المنحدر والدال على الخطورة. المعادن جوهرية في عمليات نبض القلب وتيسير عمل الخلايا، ولا شك أن انخفاضها هو انخفاض في مستوى الاداء على مستوى الخلية.
تسارع في كتابة الحروف وإدخال المحاليل التعويضية عن طريق الفم وعن طريق الوريد، سريعًا سريعًا لكي يلحق الحاج بطائرته.
تهرع بعد ذلك للممرضة لكي تسارع في إعطاء العلاج وتخبرك بكل برود "انتهى دوامي سأخبر من بعدي ليقوم بذلك".
لسبب ما نقل المعلومة من مناوبي الصباح إلى مناوبي المساء يستغرق ساعة كاملة، وكأنهم يقصون على بعضهم أسرار وجوده في الكون وليس سبب دخوله للمستشفى.
تمضي الساعة وأنت تالف الأعصاب وفي رأسك ألف فكرة أخرى. يستغرق المحلول ٤ ساعات وإن لم يبدأ الآن فلن ينتهي على الوقت أبدًا.
تحتار دون أن تقرر شيئًا وتنصرف لأمور أخرى عليك القيام بها. وما أن تنصرف من همك إلى آخر حتى يتصل عليك الاستشاري ويضيق عليك الأفق. على المريضة أن تخرج في الوقت ولا مجال للتأخير.
لا تملك حيلة سوى أن تعود للممرضة من جديد وتلح في طلبك الذي تعلم أنها لن تقوم به إلا بعد ساعة أخرى.
تتذكر أمورًا أخرى كان عليك القيام بها، يداركك الوقت قبل أن تدركها وتضطر في النهاية للرحيل بعد أن تترك ما بجعبتك مع المناوب المسكين الذي سيكمل الدائرة المفرغة من الإفراج والتكبيل.
0 تعليقات