ساق تتدلى دون روح



ما خرجت لا طوعًا ولا كرهًا، إذ لم تملك ارادتها يومًا. لم تختر الحياة ولم تختر في أي أرض تطأ.

كانت صامتة مطبقة الشفاه، لم تصدر صراخا لتعلن قدومها، ولم يعلم أحد بوجودها إلا بعد مرور عدة ساعات، لأنها ولدت دون روح.

تلك الساق التي خرجت من رحم أمها لم تذق شيئًا، وقد يكون هذا من حسن حظها.

ماهي الظروف التي ساقتها للوجود؟ وما هي الأسباب التي كتبها الله في سبيل تكون هذه الأرجل. أكان قدَرًا معلقًا بخطأ، أم حياة دُفعت دفعًا نحو مصير لم يُكتب لها أن تكتمل؟

 

جلبوها للمستشفى -تلك الأم التي لم تدرك أنها أم حتى اللحظة- وهي فاقدة للوعي وتئن من الألم.

استشفى الأطباء حالتها من بضع كلمات نطقتها أختها، وتحاليل أولية وأشعة. ومن ثم دفعوها بالسرير للعناية المركزة فقد كانت حالتها حرجة.

ورغم الآلام البطن الشديدة والقيء المستمر، لم يشك أحد الأطباء أن البطن التي تبث بشكواها، تحمل بداخلها كائنًا قلبه كان ينبض. كأنها تصرخ عوضًا عن ساكنها لتعلم الجميع أنه بالداخل. فقد أتمت اليوم أعضاءه الصغيرة ستة أشهر.

ولكن ما آلت له الأمور كان خارج التوقعات.

 

اكتشفته الممرضة صدفة أثناء القيام بالرعاية السريرة المعتادة، وهرعت تجلب أخصائي العناية المركزة ليتدارك الموقف.

ولكنه عجز أمام الموقف لقلة خبرته، واتصل يستعين بخبرات أطباء الطوارئ، فلم يكن في المستشفى قسم نساء وولادة.

ولدت بمساعدة أطباء الطوارئ، وتم نقلها على وجه العجلة لمستشفى النساء والولادة

انقطعت أخبارها عن المستشفى، لكن قصتها مستمرة في الانكشاف أمام التحقيق الذي فُتح لكشف الحقيقة.

 

إن هذا الجانب المظلم من العالم موجود وإن اختفى عن الأنظار. يظهر بين الحين والآخر في صورة مأساة تكتب عنه الصحف، وتنشره الأخبار. يثير حفيظة الناس ويظهر تعاطفهم. ولكن ما يُخفى كان أدهى.

 

كم من أرجل دون روح تدلت دون أن تُمد لها الأيدي بالإنقاذ. وكم من فضيحة دُست تحت الأنقاض بين عظام الأموات وهي حية.

 

نُغفل الحياة حين تمضي، ثم نرتجف عند مفاجآت الموت، وكأننا لم نعلم أنه نهاية كل حكاية.

    إرسال تعليق

    0 تعليقات