معتقدات غليظة

 لست اشكك في مصداقية أقوالك، ولكنني أسير على أساسيات لا تضمحل أمام الظروف مهما كانت.

الأمور هي ما تبدو عليها وحسب، لا مجال للتأويل أو الاستنتاج. الأبيض أبيض، والأسود أسود، وما بينهما أمور تستدعي التوضيح والتنقيب أكثر، ولا نأخذ بها.

 

إن الطاولة تُصنع من مواد عديدة. الخشب، والبلاستيك، والحديد، وغيرها. 

إن نظرت في الطاولة المصنوعة من الخشب سوف ترى تموجاته وتداخلاته، وإن طرقت عليه سوف تسمع صوتًا تميزه الأذن من بينه من الأصوات. ويتوجب توفر الأمرين لإثبات أنه خشب.

وإن حلف لسانك واصريت على اقناعي أن هذه الطاولة مصنوعة من الخشب. فلن أقتنع حتى أرى الخشب كما أعرفه، وكما تعرفه الكتب.

وإن كسوت الطاولة الخشبية بطبقات من الطلاء، واختفت معالم الخشب وتداخلاته. أريد منك أن تقشع الطلاء قليلًا لكي أرى بعيني وأصدق أن ما تحته خشب.

لا تكفيني اللمحة، ولا الاستنتاج من معلومات أخرى، بل أريد أن أتأكد.

 

وحتى إن كنا في زمن اخترعوا فيه الدخان الاصطناعي فأنا أخبرك أن الدخان لا يظهر دون نار.

 

هذا كان الحوار الذي دار بين شخص اجتهد في وضع الاستنتاج المبنية على الأدلة، وشخص آخر يريد الأمر بعينه ولا يرضى بما يدل إليه. 

 

لا يستطيع الطبيب أن يسير على هذا النهج ويتوقع أن يكون طبيبًا جيدًا.

إن الطبيب عندما يفحص المرضى لا يجد التشخيص مكتوبًا على جبهاتهم، ولا يأتي التشخيص وحيًا منزلًا من السماء.

إن التشخيص هو نتيجة مُستنتجة من محصلة معلومات جمعها من خلال أخذ التاريخ المرضي، والفحص الجسدي، وقراءة مفسرة للتحاليل.

إنه يجمع المعلومات ويحللها نقدًا وتفنيدًا حتى يصل إلى تشخيص منطقي.

 

إن لم تره بعينيك فهذا لا يعني أنه غير موجود.


وهذا ما يحدث عندما تكون المعتقدات غليظة إلى حد كونها عائقًا على الفهم.





    إرسال تعليق

    0 تعليقات