لماذا نروي القصص؟ خمس فوائد لا تعرفها


المقدمة:

منذ قديم الأزل والانسان يتناقل القصص دون أن يعرفها أو يفصل في محتواها، مصوغاتها، وأسبابها.

 

لقد كانت القصة المعرّف الذي لا يُعرّف. يشعر الناس بها وهي تُروى ويميزونها من بقية الكلام، ولكنهم لا يملكون تعريفًا لغويًا لها.

 

كانوا يستطيعون التفريق بين ما يتناقله الناس من أخبار المجتمع وما بين قصصهم.

 

 

·      ما الفرق بين الخبر والقصة؟

 

إن القصة تتجاوز الخبر المجرد من الحكاية. انها تكشف تناقضات الحياة الاجتماعية والشخصية

وتقع بين الحياة الواقعية التي نعيشها وبُعد آخر يسكن في داخل النفس البشرية. إن هذا البُعد لا يُرى بالعين، ولا يُفهم دون إضافته للقصة.

 

قد نقص عليكم قصة حياة رجل عادية. قضى حياته بشكل معتاد، نشأ كما ينشأ كل البشر، ثم تزوج وأنجب الأطفال، وزاول مهنة اعتيادية. ولكن ما يحولها إلى قصة هو الصراع الداخلي، والخواء الروحي الذي يصاحب حياته الطبيعية للغاية.

 

قد تسمع خبرًا عن الرجل الذي مات جوعًا، ولكن القصة تأخذ بُعدًا آخر عندما نجوب في دواخل النفس ونشعر بعمق المعاناة. مثل نبذه من قِبل المجتمع، التغرب وابتعاده عن عائلته ليكسب لقمة العيش، مقاساة الذل من رؤسائه، والشعور بالوحشة والموت وحيدًا ولا يكتشفون أمره إلا بعد أيام من افتقاده.

 

في الحقيقة فإنه يصعب وضع القصة في تعريف واحد لغوي يشمل جميع أنواع القصة. تعريف القصة يشبه تعريف الزمن والحب والحياة. جميعنا نعلم ما تعنيه هذه الكلمات، ولكن يصعب علينا جمع المعنى في تعريف واحد شامل.

 

ولكن باختصار هي اكتشاف ما هو غير عادي في الحياة العادية.

 

لقد صمدت القصص في وجه التاريخ رغم اندثار الكثير من الأشياء عبر الزمن. اجتازت حاجز الزمن وحاجز الجغرافيا، امتزجت مع الشعوب وامتصت سماتهم. تغيرت لتوافق ألسنتهم وثقافاتهم. وكثيرًا ما نجد قصصًا متشابهة بين الشعوب المختلفة والتي إن نظرنا لجذورها وجدناها متأصلة من نفس الجذع.

 

 

 

" أي سر هذا الذي يجعل نجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكن لكائن بشري أن يموت من أجله، أن يموت جوعًا أو بردًا أو أي شيء آخر، لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه وهو أمر في نهاية المطاف، لو أمعنا النظر لا ينفع في شيء"

 

-جابرييل جارسيا ماركيز

 

 

فوائد القصة:

 

1-         تساعدنا في فهم العالم من حولنا:

 

إن حكاية القصة كانت إحدى الطرق التي يستخدمها البشر لترجمة العالم من حولهم، من خلال تصوير الأحداث في كلمات يفهمون معناها، ويتعرفون عليها، وبالتالي يؤثرون فيها.

 

هي أيضًا تعيد خلق المشاهد والمواقف وتجعلنا ننظر إليها من زاوية أخرى. إن هذا يساعد الراوي في التخفيف من حدة الموقف ويجعله يدرك الأمور التي غابت عنه وهو في عز الحدث. 

 

هي مثل وضع المشهد في إطار ودراسته عن بعد. وينتج من تلك الدراسة تطور الفهم، وزيادة في الخبرة.

 

وهذا يضيف لحكاية القصة عنصر المواساة، فكم من همٍ وجد حامله السكينة بعد البوح بقصته.

نحن لا نعي معظم الوقت أننا نستخدم القصة كشكل من أشكال التعبير عن النفس. ولكن جميع البشر يمرون بذلك، وبالتالي فإن جميع البشر -وإن لم يدركوا- يصبحون بعض الأحيان الطرف الراوي في القصة.

 

نحن لا نفهم العالم من خلال ما نقصه وحسب، بل أيضًا من خلال ما نقرأه من القصص التي حولنا. تصعد مشاعرنا من القاع أمام حزن الفقدان عندما يشعر به بطل القصة. وكأننا نعيش الموقف من جديد. 

 

وذلك ينطبق على المشاعر الأخرى التي تمر علينا في حياتنا ولا نجد من يشاركنا فيها أو يصعب علينا تفسيرها. لذلك يبحث بعض الناس عن السلوى والمواساة بين صفحات الكتب.

 

 

2-         تعزز التعاطف الإنساني

 

لن نشعر بشعور أحدهم بكل صدق حتى نمر بما يمرون به. ويصعب أن يجرب الانسان كل شيء وهو لا يمتلك إلا حياة واحدة.

 

ولكن أقرب شيء لمعايشة الأمر هو رؤيته أمام عينيك يتمثل بكل تفاصيله في الأحرف والكلمات. فكما ذكرنا سابقًا لن يشعر الغني الذي يتخم معدته بالطعام كل يوم بمعاناة الفقير الذي بالكاد يجد قوت يومه. 

 

ولكن يمكننا أن نقص عليه تلك التفاصيل التي يمر بها الفقير، لعله بذلك يتعاطف معه. وهذا يجعل الغني ميالًا للصدقة ومساعدة الجوعى من الفقراء والمساكين.

 

إن من خلال القصة، نختبر مشاعر الآخرين دون أن نعيش مآسيهم فعليًا. نغضب، نحزن، نفرح، ونحب معهم. وهذا يعزز قدرتنا على التعاطف وفهم وجهات النظر المختلفة، ويجعلنا أكثر إنسانية في تعاملنا مع من حولنا.

 

قد تعطي الأفلام مفعولًا مشابهًا، ولكن القصص والروايات تختلف مع الأفلام في أمور عدة ناقشناها مسبقًا في مقال الفرق بين السيناريو والرواية

 

 

3-         تخلّد التجارب والمعاني

 

الروايات الكلاسيكية لا تزال تُطبع وتُقرأ من قِبل الناس، وبل تعرض على الشاشات. وتتنافس شركات الأفلام والمونتاج على صناعة أفضل نسخة من الراوية.

 

البعض منها كُتب قبل قرون عدة ولا يزال يُروى إلى يومنا هذا في مختلف المصادر. ويدرس في مختلف الجامعات.

 

لن تجد هذا ينطبق على الأفلام الوثائقية، ولا الكتب العلمية. وهذا ليس تقليلًا في أهمية الكتب العلمية، ولكنه دلالة على مدى انتشار القصة وتأثيرها الذي يستمر وينتقل عبر العصور.

 

لقد نحت الفراعنة قصصهم على الجدران، وإن قابلت عالم آثار أو مترجمًا عريقًا فسوف يخبرك بتفاصيل لن يصلها إلا مطلع على ثقافتهم. كلها وصلت من خلال قصصهم التي عبرت خلال التاريخ. 

 

القصة تحفظ التجربة من الزوال. قد ينسى الناس الأحداث، ولكنهم يتذكرون القصة التي تُروى عنها. إنها أداة للخلود، تحفظ الحكم والدروس واللحظات المؤثرة عبر الأجيال، فتنتقل المشاعر والمعاني من عصر إلى آخر.

 

 

4-         تحفّز الخيال وتنمّي الإبداع

 

قصص الخيال العلمي والفانتازيا صنعت عوالم لم توجد من قبل. آنستنا وحفزت مخيلتنا. 

 

عندما تُروى القصة، نحن نغادر الواقع للحظة ونبني عوالم جديدة في عقولنا. نتصورها في أذهاننا كأنها حاضرة وتعرض في رأسنا.

 

هذا التمرين المستمر للخيال لا يصنع الكتّاب فقط، بل يخلق مفكرين، ومبدعين، ومبتكرين يرون في الحياة احتمالات لا حصر لها.

 

إن الذاكرة تستدعي القصص أكثر وأسرع من استدعائها للمعلومات المعقدة. كأن شفرة الذاكرة السرية تُفك مع كل قصة تدخل أدمغتنا. وهذا يجعلها أكثر قوة وأكثر مقدرة على الاقناع.

 

 

 

5-         توصل الرسائل بطريقة غير مباشرة

 

القصة وسيلة لإيصال الأفكار والمعاني دون الحاجة للتوجيه المباشر أو الوعظ.  لأنها كما ذكرنا أقرب للنفس، ويسهل على المرء هضمها وتذكرها.


من خلال شخصياتها وأحداثها، تُوصل الرسائل الأخلاقية أو الفلسفية بسلاسة. لذلك نجد الطفل يفهم معنى الصدق من قصة بسيطة أكثر من محاضرة طويلة.

 


 

الخاتمة:

 

إن كنت لا زلت تسخر من زميلك الذي يقضي وقته في قراءة القصص والروايات بعد هذا المقال، فأنا أدعوك لقراءة بعض ما يقرأه لكي ترى العالم من خلال عدسته، وعدسة مئات الأشخاص الذين يقفون وراء هذه القصص.

 

إنها مفتاحنا لفهم العالم من حولنا، ما يدور بداخلنا ولا نستطيع ادراكه دون ترجمة، وما يحدث في الخارج مع البشر ولا يمكننا تجربته خارج القصص.

هي الطريق لحفظ الثقافة والتاريخ وتمريرها عبر العصور. ولا شيء آخر يعادلها في التأثير على الأنفس وايصال الرسالة دون وعظ.

 

"كل إنسان هو قصة تمشي على الأرض" – فهل نرويها؟

 

 

 

    إرسال تعليق

    0 تعليقات