مقدمة
يسبق خروج الشخصية الكاتبة إلى العالم الأدبي تطور ملحوظ في الملاحظة، والاستنباط، وإثارة التساؤلات. عن تلك الأمور التي يعتبرها الكثير من المسلمات. إن بعض هذه الملاحظات تكون نابعة من تفاصيل حياتنا اليومية. كم مرة تعرضت لموقف وشعرت برغبة شديدة للتحدث عنها أمام أصدقائك.
يواتينا هذا الشعور برواية القصة عندما نكون مع أصدقائنا في جلسة غير رسمية. ولكن فما هو الفرق بين رواية القصة لصديق وبين تحويلها لعمل أدبي ساحر؟
إن كتابة العمل الأدبي -وإن كان مستنبطًا من قصة حقيقة حصلت للكاتب- يختلف كثيرًا عن راويته أمام العائلة والأصدقاء. قد تصل درجة الاختلاف إلى درجة عدم تمييز الحدث الأساسي الذي استنبط منه الكاتب القصة.
عندما نتكلم عن الاستلهام من الواقع لا نقصد نص الحدث كما هو بلغة شعرية، بل نقصد أن يتداخل الواقع مع خيال الكاتب وينتج عنه قصة ليس لها مثيل. وإن رأى كاتبين مختلفين نفس المنظر فلن يخرجا بنفس النتيجة.
وليس من الضروري أن تكون التجربة الشخصية هي أساس الرواية كاملًا. يمكن أن تتداخل التجربة الشخصية مع القصة المبتكرة وتنتج عنه القصة.
فكل الكتاب يكتبون من ذاكرتهم الشخصية حتى إن لم يدركوا ذلك. إن الأمور التي يجربها الإنسان وينساها لا تختفي، بل تتوارى بين تلافيف الدماغ وتنتظر المحفز المناسب لكي تظهر من جديد. لحن مألوف، أو رائحة مميزة، أو ملمس معين. إن اللحظات المنسية في حياة الفرد هي التي تشكل تفاصيل القصة.
على سبيل المثال: قد يرى الكاتب رجلًا يخرج من بين موج البحر العاتي. يعتبر البعض هذا المشهد شيئًا مألوفًا لا يستحق الذكر. ولكن ذهن الكاتب يبدأ في رسم قصة الغريق الذي خرج من عمق البحر ونجى بعد أن كانت النهاية وشيكة. تتناول القصة عجرفة الرجل وثقته الزائدة في مهاراته، وكيف كاد غروره يؤدي به إلى التهلكة.
لم يرَ الكاتب سوى منظر رجل يخرج من البحر، ولكن بقية القصة كان خيالًا مبتدعًا أضافه حتى تظهر القصة في صورتها الكاملة. وإن قرأ الرجل القصة التي كُتبت استلهامًا منه فلن يدرك أنه كان الملهم الأساسي للقصة.
أو على سبيل المثال: قصة الخذلان التي نتجت عن التشتت الأسري، تراكمت المشاكل وفرقت بينهم حتى أصبح منزل العائلة فارغًا كأن لم يغن بالأمس. لن يدرك القارئ أن الإلهام كان من أوراق الخريف الصفراء التي تسقط بصمت، ببطء شديد على مدار السنة بسبب تأثير العوامل الخارجية عليها. وتصبح في النهاية الشجرة التي كانت في أوج ازدهارها عارية سوى من الأغصان.
يسبق خروج الشخصية الكاتبة إلى العالم الأدبي تطور ملحوظ في الملاحظة، والاستنباط، وإثارة التساؤلات. عن تلك الأمور التي يعتبرها الكثير من المسلمات. إن بعض هذه الملاحظات تكون نابعة من تفاصيل حياتنا اليومية. كم مرة تعرضت لموقف وشعرت برغبة شديدة للتحدث عنها أمام أصدقائك.
يواتينا هذا الشعور برواية القصة عندما نكون مع أصدقائنا في جلسة غير رسمية. ولكن فما هو الفرق بين رواية القصة لصديق وبين تحويلها لعمل أدبي ساحر؟
0 تعليقات