خمس طرق لتحويل تجربة شخصية إلى قصة أدبية

مقدمة

يسبق خروج الشخصية الكاتبة إلى العالم الأدبي تطور ملحوظ في الملاحظة، والاستنباط، وإثارة التساؤلات. عن تلك الأمور التي يعتبرها الكثير من المسلمات. إن بعض هذه الملاحظات تكون نابعة من تفاصيل حياتنا اليومية. كم مرة تعرضت لموقف وشعرت برغبة شديدة للتحدث عنها أمام أصدقائك. 

يواتينا هذا الشعور برواية القصة عندما نكون مع أصدقائنا في جلسة غير رسمية. ولكن فما هو الفرق بين رواية القصة لصديق وبين تحويلها لعمل أدبي ساحر؟


إن كتابة العمل الأدبي -وإن كان مستنبطًا من قصة حقيقة حصلت للكاتب- يختلف كثيرًا عن راويته أمام العائلة والأصدقاء. قد تصل درجة الاختلاف إلى درجة عدم تمييز الحدث الأساسي الذي استنبط منه الكاتب القصة. 

عندما نتكلم عن الاستلهام من الواقع لا نقصد نص الحدث كما هو بلغة شعرية، بل نقصد أن يتداخل الواقع مع خيال الكاتب وينتج عنه قصة ليس لها مثيل. وإن رأى كاتبين مختلفين نفس المنظر فلن يخرجا بنفس النتيجة.

وليس من الضروري أن تكون التجربة الشخصية هي أساس الرواية كاملًا. يمكن أن تتداخل التجربة الشخصية مع القصة المبتكرة وتنتج عنه القصة.

فكل الكتاب يكتبون من ذاكرتهم الشخصية حتى إن لم يدركوا ذلك. إن الأمور التي يجربها الإنسان وينساها لا تختفي، بل تتوارى بين تلافيف الدماغ وتنتظر المحفز المناسب لكي تظهر من جديد. لحن مألوف، أو رائحة مميزة، أو ملمس معين. إن اللحظات المنسية في حياة الفرد هي التي تشكل تفاصيل القصة.

على سبيل المثال: قد يرى الكاتب رجلًا يخرج من بين موج البحر العاتي. يعتبر البعض هذا المشهد شيئًا مألوفًا لا يستحق الذكر. ولكن ذهن الكاتب يبدأ في رسم قصة الغريق الذي خرج من عمق البحر ونجى بعد أن كانت النهاية وشيكة. تتناول القصة عجرفة الرجل وثقته الزائدة في مهاراته، وكيف كاد غروره يؤدي به إلى التهلكة.

لم يرَ الكاتب سوى منظر رجل يخرج من البحر، ولكن بقية القصة كان خيالًا مبتدعًا أضافه حتى تظهر القصة في صورتها الكاملة. وإن قرأ الرجل القصة التي كُتبت استلهامًا منه فلن يدرك أنه كان الملهم الأساسي للقصة.

أو على سبيل المثال: قصة الخذلان التي نتجت عن التشتت الأسري، تراكمت المشاكل وفرقت بينهم حتى أصبح منزل العائلة فارغًا كأن لم يغن بالأمس. لن يدرك القارئ أن الإلهام كان من أوراق الخريف الصفراء التي تسقط بصمت، ببطء شديد على مدار السنة بسبب تأثير العوامل الخارجية عليها. وتصبح في النهاية الشجرة التي كانت في أوج ازدهارها عارية سوى من الأغصان.



نلخص لكم خمس طرق لتحويل التجربة الشخصية إلى قصة أدبية، دون أن تبدو كأنها سيرة ذاتية:


  1. استخرج الصراع الأساسي

إن كانت القصة التي ترويها نابعة عن حدث حقيقي حصل لك, فمن السهل أن تستخرج الصراع وتوصله للقارئ.

ربما شعرت بالعجز، أو النشوة، أو الخوف، أو خيبة الأمل. ابحث عن لبّ هذه المشاعر، لأن القصة الجيدة لا تقوم على الحدث فقط، بل على الصراع الذي يحرّك الشخصية من الداخل. ما الذي كنت تريده ولم تستطع تحقيقه؟ ما الذي فقدته؟ أو واجهته؟

هل تريد مناقشة قضية تؤرق مضجعي ولا تملك سبلًا غير الكتابة؟ هل شعرت بالقهر لفئة معينة من البشر وتريد توصيل صوتهم ورواية الحكاية من وجهة نظرهم؟

ولا يشترط أن يتوافق الصراع الذي دفعك لكتابة القصة مع صراع الشخصية الرئيسية. يمكنك أن تبتكر صراعًا خاصًا بالشخصية الرئيسية حسب ما تراه مناسبًا.

على الصراع أن يخدم القصة. لذلك إن كان صوتك طاغيًا على القصة يتوجب عليك تغييرها لتناسب القصة. فكما ذكرنا سابقًا أنت لا تكتب المذكرات, بل تكتب قصة أدبية.

في المثال السابق القصة عن الرجل الذي خاض في موج البحر وكاد يموت. كان صراع الرجل يدور بداخله. لم يستطع أن يمنع نفسه من الخوض في موج البحر العاتي حتى وإن عنى ذلك موته. كل ذلك لكيلا يكسر صراعه الداخلي مع ذاته المعتزة بالغرور. 

إن صراع الرجل مع شخصيته هو الذي كون التضارب في القصة، لولا عجرفته وثقته الزائدة في مهاراته لما دخل في صراع مع الأمواج واقتراب من موت وشيك. 

وعلى النقيض لو كان الرجل مترددًا وجبانًا قضى عمره كاملًا على الشاطئ، ينظر للأمواج ويفكر في العمر الذي انقضى دون أن يحقق شيئًا من طموحه. وكل الفرص التي كانت سوف تُفتح أمامه بسبب المخاطرة أحيانًا.


إن الصراع ينقسم إلى نوعين:

  1. داخلي (مثل خيبة الأمل، الخذلان، أو ضعف النفس....). 

  2. خارجي وهي الظروف الخارجية القاهرة (مثل الأزمات الصحية، و الافتراق عن الأحبة)

سواء كان الصراع داخلي أو خارجي فإن الصراع هو أحد محركات القصة الأساسية. إنه يدفع بالقصة ويجعلها تأخذ المنحنى بشكل طبيعي، دون أن تبدو الأحداث مصطنعة أو وليدة الصدفة. 

عندما نتحدث عن الصراع الداخلي أو الخارجي للشخصيات الرئيسية بشكل جيد خلال السرد الروائي للقصة، ومن ثم يأتي الحدث الأساسي ويخرج عن المألوف. 

على سبيل المثال عندما ترتكب الشخصية الرئيسية المعروفة بحسن السلوك جريمة يعاقب عليها القانون، أو ينقلب معاون الشرير ويده اليمنى على الشرير ويحقق العدالة في نهاية القصة. سوف يكون التصرف متقبلًا -بل ومتوقعًا- من القارئ بعد أن عرضت عليه الصراعات الداخلية، والعوامل الخارجية التي أثرت على قرار التحول والانقلاب.

نعتبر الصراع مثل المسوغات الداخلية والخارجية التي تصنع الحدث، فلا شيء يحدث دون سبب.


2. لا تلتزم بالحقائق حرفيًا

قد تبدأ القصة من الذروة ومن ثم تعود للبداية. أو تحكي لنا المنتصف وتنتقل بين الأحداث حتى ترسم الصورة كاملة للقارئ. ولا بأس أن تسرد الأحداث بالترتيب إن كنت ترى أن هذا سيخدم قصتك أكثر.

وتستطيع أيضًا حذف حدث معين واستبداله بآخر على سبيل المبالغة لتجعل الأحداث أكثر امتاعًا. عامل التجربة الشخصية معاملة الفكرة الأدبية التي تستطيع إعادة تدويرها كما تريد, وليس النص الذي يجب اتباعه حرفيًا.

أنت لست ملزمًا بالترتيب الزمني الحقيقي للأحداث. أنت في النهاية تعمل على صناعة قطعة أدبية هدفها إثراء القارئ, وليس مشاركة مذكرات شخصية.

إن كثيرًا من القصص على هذه المدونة عبارة عن تجارب شخصية معاد ترتيبها والمبالغة في كتابتها. أو حتى تجريدها من الشخصيات والسياق. فالحياة اليومية ليست مثيرة مثل القصص.

للاطلاع على بعض الأمثلة:

وغيرها الكثير…


3. اخلق شخصيات تخدم القصة 

هنا نعود إلى نفس الفكرة من جديد لا تحكي القصة كما هي. يمكنك خلق شخصية خيالية لتعيد صناعة المشهد. أو استبدال الشخصيات الرئيسية بآخرين رمزيين.

بدلًا من نسخ الأشخاص الواقعيين حرفيًا، يمكنك دمج أكثر من شخصية في شخصية واحدة، أو اختراع شخصية جديدة تمثل "الضد" أو "المحفز" أو "المرآة" للبطل. الهدف أن تكون الشخصيات أدوات تعبير لا مجرد توثيق للواقع.

على سبيل المثال:

  •  ابتكار البطل الذي يأتي لينقذ الموقف مثل أن ينقذ أطراف الحرب المستضعفين من جوع يفتك بهم, بينما هذا قد لا يكون ما حصل في التجربة الشخصية. مثال على ذلك قصة فتاة الريحان.


  • سرد القصة من وجهة نظر الشخصية الشريرة وإظهار حبكة تجعل فيها الشرير هو الضحية. حتى يصل القارئ إلى مرحلة يتعاطف المرء معها. الهدف هنا ليس تبريرًا لأعمال الشر ولكن زراعة التفهم في القارئ, وذلك يعين على المدى البعيد في إزالة سوء الفهم. وهذا يعتبر من أحد أهم أسباب أهمية القصة, وهو فهم الحياة من وجهة نظر الآخرين حتى تقل حدة الاصطدام, ويزيد التفهم. مثال على هذا النوع من القصص, قصة متبلى.


  • اختصر الشخصيات واحذف منهم الأقل مساهمة في القصة. إن متابعة شخصيتين في القصة أسهل على القارئ من متابعة عشر, وإن كانوا عشرة في التجربة الشخصية التي خضتها.

الخلاصة اخلق الشخصية التي تخلق الحبكة التي تريدها بشكل جيد, وليس من الضروري أن تعكس الواقع كما رأيته.


4. استخدم الوصف والانفعالات بذكاء

لقد عشت الموقف أو رأيته أمام عينيك, من السهل عليك وصفه. لا تقل كنت غاضبًا, بل صف ما حصل من مشاعر وأفعال. اجعل القارئ يعيش التجربة معك.

في الحقيقة إن هذا الأسلوب في الكتابة هو المتبع في كتابة القصص والروايات الجيدة حتى إن لم تكن مأخوذة من تجربة شخصية. 

الكتابة الأدبية تعتمد على الوصف والدلالات الرمزية. اجعل القارئ يستنبط المشاعر من الحدث بدل أن تملي عليه نوع المشاعر الذي عليه أن يشعر بها.

للمزيد عن الوصف الأدبي اطلع على مقال مقدمة في الوصف الأدبي, و مقال خمسة أخطاء يرتكبها المبتدئون في كتابة القصص والروايات


5. امنح التجربة معنى أوسع

عندما قررت إدخال تجربتك الشخصية إلى عالم الأدب, أنت أيضًا وافقت على أن تنشر بشكل أوسع. فكر ما هي الرسالة التي تريد إيصالها من خلال قصتك؟ 

لا تجعل مشاركة القصة من أجل المتعة غايتك الوحيدة. يمكنك توعية المجتمع, وفتح باب للتساؤل والتفكير. ابحث عن المعنى الكامن في القصة دون أن تبدو مصطنعًا ذلك.

تجاربك الشخصية لازالت مفتوحة وقابلة للتمدد والتحول. ترك النهاية مفتوحة، تأملية، واجعل القارئ يتأمل في تجاربه الشخصية لعله يتبعك في كتابتها.

اقرأ المزيد في مقال لماذا نروي القصص؟ خمس فوائد لا تعرفها.


خاتمة

إن القصة التي نكتبها من تجاربنا الشخصية لا تخلو من الخيال, ولا تقل ابداعًا عن القصة المبتدعة من اللاشيء. بل من الصعب جدًا أن تنقل تجربتك الشخصية دون أن تبدو كأنك تسرد مذكراتك.

تحمل القصص التي تُكتب من التجارب الشخصية مشاعر صادقة، إن كنت لا تملك سوى تجاربك لتكتب عنها إذًا فلتفعل ذلك.


كان هذا المقال عن خمس نصائح تساعدك على كتابتك تجاربك الشخصية بشكل أدبي. نتمنى أن يكون المقال قد نال اعجابكم. للمزيد من المقالات والقصص اطلعوا على المدونة.


    إرسال تعليق

    0 تعليقات