المتفننة في عملها، والمجتهدة في تشخصيها. لا تكتفي بالمعتاد وتقفز دومًا إلى أغرب الاستنتاجات. البعض يعرفها باسمها (رغد بخش) والبعض يناديها (رغيدان)، وتعرف أيضًا بـ (رغودي)، لكن بالنسبة للأغلبية فإن صيتها في قراءة تخطيط القلب يغلب ويعلوا فوق كل شيء.
بدأ الأمر قبل عدة شهور من الحادثة، بعد أن انتهت بطلتنا الشابة من المقابلة الشخصية مع قادة فريق (النساء والولادة). نزعت القائدة أروى نظارتها ووضعتها على المنضدة وهي تقول "رغيدان كانت عادية" ظنًا منها أن البث قد انقطع، ولكن رغد سمعت ما قالته، وقد أشعلت تلك الجملة شرارة في قلبها. ومن بعدها انكبت على المراجع تستذكر دروسها ودروس من سبقها من أطباء دون كلل.
حتى أتى اليوم الموعود. بدا ذلك اليوم رتيبًا مثل بقية أيام الأسبوع، ولكن حدثًا قد أخرجه عن المألوف وجعله يسطر في تاريخ الطب
.
كانت رغد تحضر العيادة مع أحد الأطباء. دخلت المريضة إلى العيادة والتي رغم المرض كانت تحمل بين جعبتها الأمل. جلست على الكرسي وباشرت ببث شكواها لمن يستمع. تكلمت المريضة عن شعورها بالخفقان، وعن شحوبها الدائم، وضعف بدنها، وكثرة نومها، وكلما دخل فرد يرتدي السكرب إلى الغرفة أعادت سرد شكواها دون ملل.
بعد أن انتهت المريضة من تكرار الكلام ١٥ مرة دخل الممرض وأعطى ورقة تخطيط القلب إلى الطبيب المسؤول، ومن مرأى الورق المكسو بالمربعات الحمراء لمعت أعين رغد وظهرت عليها تلك النظرات الحاذقة، وربما كانت حاذقة أكثر من اللازم.
انتظر الطبيب المسؤول خروج المريضة ليعرض التخطيط على الطالبة المرافقة له، وهي تكبح جماح فضولها وتجبر نفسها على الصمت، فلقد التقطت التشخيص من على بعد متر، في اللحظة التي دخل التخطيط إلى الغرفة، وما أن أمال الورقة قليلًا ناحيتها حتى انفجرت بتشخيصها الذي استذكرته مرارًا في تلك الليالي المظلمة "التشخيص هو الموت الفجائي يا دكتور" هذا كان ما قالته بصوت يفيض بالحماس.
وهنا انتهت مسيرتها الطبية، لقد شخصت الفتاة التي كانت تكلمها قبل قليل بالموت الفجائي، وكان عليها أن تتقبل مصيرها.
لم تنته مسيرتها من تشخيصها الخاطئ فجميع الطلاب يمرون بذلك -بشكل يومي تقريبًا- ولكنها انتهت بسبب الوصمة التي وصمت بها، والعار الذي لحق بها، والضحك اللامنتهي الذي صدح ذلك اليوم..
0 تعليقات