حقيقة الهارب - الجزء الثالث من أروى السفاحة




دخلت من باب الطوارئ وكلي حذر، فإذا بصرخة مدوية تتناهى إلى مسامعي، ويتبعها تسديد ماهر لساطور قضى علي. أو هذا ما ظن الجميع أنه حصل..


"أحتاج إلى شاهد يصدق أقوالي" هذا ما دار في خلدي بعد أن قرأت الرسائل واستمعت إلى رسالة يزيد الصوتية. بحثت بين تلافيف دماغي عن شخص أستنجد به فإذا بطوق النجاة يُرمى إلي فجأة ويعيد إلي ثباتي.


قبل أسبوع من اللقاء تواصلت مع دكتوري الفاضل (دكتور باعظيم) عدو الجوالات الخارج من الجندية، والمتفنن في شرح الأشعة المقطعية. دكتور المسالك البولية الذي شهدت ابنته مقتل أروى المزيف، وكادت أن تذهب ضحية لها.


-"دكتوري الفاضل عندي كم سؤال بخصوص القسطرة البولية"


-"المراجع عندكم."


-"لا يا دكتور لا أقصد من الناحية الطبية، كنت أريد أن أسأل عن دمى السكل لاب. قبل سنتين حدثت حادثة مؤسفة وذهب على إثرها طالبة نجيبة تدعى أروى، ويقال أن دمها قد تواجد على دمى القسطرة البولية ولم تجدوا حتى الآن تبريرًا لما حدث."


-"أنت تقصد هذا. في الحقيقة يوجد تبرير لما حدث، عادت ابنتي تلك الليلة إلى المنزل في وقت متأخر وهي خرساء لا تنطق بشيء. استغرق الأمر مني سنة لاستخلص منها شيئًا مفيدًا."


-"وماذا قالت؟"


-"كلمتان وحسب ومنها انطلقت الشائعات. قالت (أروى السفاحة)، ولم تذكر أي تفاصيل أخرى، لكن التفسير الوحيد لكل هذا هو أن أروى قد استلذت بتقطيع الدمى حتى أصبحت بالية."


-"فهمت شكرًا لك."


-"انتظر. يبدو أنك تعلم شيئًا لا أعلمه. هلا أخبرتني لعلي أساعد ابنتي في التخلص من معاناتها، فلا تزال حتى الآن منعزلة وقليلة الكلام"


وهنا رويت له ما سمعت وما رأيت في ذلك اليوم، وأصبح لدي شاهدان يدعمان أقوالي، الأول أخرس، والثاني مصمم على كشف الحقيقة.


الآن لنعد إلى يوم اللقاء. دخلت من باب الطوارئ وأنا أرتدي زيًا واقيًا ضد الأسلحة، كنت قد اشتريت هذا الزي لكي أستعمله في مشاريع الإخراج، ولكنني لم أجد ممثلًا جديرًا بلبسه، وها قد أتى الوقت المناسب لإخراجه. الزي مجهز بدم مزيف يتطاير بكبسة زر.


قضيت بعض الوقت في دراسة نفسية السفاحين، ولذلك كان لدي توقع مسبق للأحداث، وقفت حيث أرادتني أن أقف، وانتظرت انطلاق الساطور نحوي. أوهمتها بنجاح خطتها وجعلت الساطور ينغرس في الزي، ومن ثم أخرجت الدم المزيف وسقطت طريحًا أمثل الموت.


أردت أن أنظر إليها نظرة اليأس تلك التي يرمقها الضحايا للقتلى لكي تسعد وتخفض دفاعاتها، ولكنني خشيت أن تخونني ابتسامتي وتنكشف خطتي، لذلك اكتفيت بإغلاق عيني والتوقف عن الحراك.


بعد أن أمنت مكري وأرخت دفاعاتها، سمعت صوت يزيد يكلمها، ولا أنكر أنني شعرت بالغدر من صديقي. 


-"اسمعي يا أروى لنخفي الجثة في مخزن الطوارئ، ونقنع الناس أنه لم يحضر للمحاضرة، وبعد المحاضرة نتخلص من الجثة."


-"هيا بسرعة، اجلب سريرًا ينقله. سنتأخر عن المحاضرة"


وضعوني على السرير النقال، ورموني داخل المخزن المظلم، ولكنهم نسيوا أن يغلقوا الباب مع العجلة.


وفي الفترة التي قضوها في المحاضرة، كنت أنا والدكتور باعظيم قد جمعنا الأدلة الكافية لإدانة أروى السفاحة، وسحب رخصتها الطبية، وزجها في زنزانة تتعفن فيها، وتذوق فيها سوء أفعالها.


أتوا للمخزن بعد المحاضرة وفي يدهم كيس قمامة كبير لإخفاء جسدي، وجرافة لحفر قبري، ولكنهم تفاجؤوا عندما لم يجدوا جثة، أو دمًا. 


خرجت أروى كالمجنونة وهي تتخبط في خطاها. اصطدمت بأحدهم وصرخت فيه. 


-"ما تشوف!" 


أرادت أن تنهي جملتها بشتيمة ولكن شارة الشرطة على يد الرجل الذي اصطدمت به قد جففت الدماء من عروقها.


أحاط بها رجال الشرطة، وقيدوا أيديها بالأصفاد، واصطحبوها معهم لتلقى جزاءها. 


أما يزيد فهو هارب من يومها، وانتقل لقبي (عمر الهارب) إلى (يزيد الهارب) حتى إشعار آخر.


لم أستطع أن أحضر الطلبة وأعمل على تطوير النادي، ولكنني دون شك قد ساهمت في تطوير العالم وجعله مكانًا أفضل.


وهكذا تم الإيقاع بأروى، وتحققت العدالة.

 

 

حقيقة الهارب - الجزء الثالث من أروى السفاحة

    إرسال تعليق

    0 تعليقات