الوقت بدل الضائع

 




اعتكف المكتب مثل طالبٍ شبّ شعره وهو يتناول الكتب. أُعيد قراءة السطور مرارًا وتكرارًا، والعِلم ينساب من بين يديّ كلما حملته.

 

ساعاتٌ تنقضي وأنا في مكاني لا أتقدّم قدمًا ولا أجرؤ على الاستسلام. فبين خطّ النجاح والتعثّر درجةٌ واحدة، وأتأمل أن تكون هي الدرجة التالية.

 

أُعرك عيني محاولًا نفض التعب عنهما، ثم أنغمس في الأمر من جديد.

 

ولا يقطع خلوتي المؤلمة سوى جوعٍ ينهش معدتي، أو مريضٍ يطلب مشورتي، أو مرورٍ صباحيّ أعجز عن الاعتذار عنه. وما سوى ذلك، فمكاني متسمّر أمام الجهاز لا أبرحه، هذا حالي كلّ يوم حتى يغلبني النعاس.

 

أتقصّى من حولي، فأجد الجميع مشغولًا في المعركة نفسها، كلٌّ حسب اتساقه الخاص. ومع تورّط الجميع، لا أمل في الخروج منها وحيدًا دون قتال.

 

أسمع دقّات عقارب الساعة، كلّ دقّة تثير حفيظتي وتجعلني أقلّ صبرًا. أتعجل في الأمر، ويقابلني اللون الأحمر. ها قد أخطأت في الإجابة ويتوجّب عليّ معاودة الكرة ومضاعفة الجهود.

 

كلّ عام يمضي على هذا الحال، ننصح أنفسنا ومن حولنا بالبدء مبكرًا، لكننا نكرر الخطأ في السنة التالية، ونراكم العمل حتى يشارف موعد التسليم، ويتم في الوقت بدل الضائع.

 

في الحقيقة، لست أستذكر الدروس، فقد ولّت تلك الأيام. بل أحاول إنهاء متطلبات الهيئة بحلّ الأسئلة، وهذا هو منهجي الدراسي كطبيب متدرّب، أكمله بعد تخرّجي من المدرسة الإعدادية.

 

يجرّ السؤال سؤالًا آخر، ويعلق الفكر فيما تحمله الإجابة من تفسير. تتسابق الأفكار، ويمضي الوقت، وتبقى الأسئلة دون إجابة.

 

وينطبق هذا النهج مع كل عملٍ آخر نعتكفه أيامًا حتى يُنجز. سواء كان المنهج الذي نستذكره، أو المقال الذي نكتبه، أو اللوحة التي نرسمها. لا يكتمل العمل إلا ونحن على بعد لحظات من موعد التسليم.



    إرسال تعليق

    0 تعليقات