انظر الى ذلك الهدف البعيد، اتربص به في الخفاء، لأنهم إن علموا بمآربي فسوف يصعب الوصول. انظر خلفي وأراهم منشغلون. جوال يصدح بالمقاطع القصيرة في يد أبي، وكتاب متناهي الطول في يد أمي.
كلاهما منشغلان، لقد أحكمت التوقيت المناسب، يتلو ذلك الطريقة المناسبة.
أعاود النظر للهدف. مفهومي للأمور هو أن أي شيء في مرمى البصر قابل للاستحواذ، وقصر قامتي لا يعني عجزي عن الرمي بعيدًا.
ارتكز على رف الدولاب السفلي واستخدمه لارتفع خطوة، ومن ثم اتمسك بالرف العلوي لأدفع نفسي للأمام خطوة أخرى، وها هو ذا يقترب الهدف. أرى دخان الشاي الساخن يتصاعد، ورائحته المتميزة. أمد أناملي وأقترب، تبقي القليل ويكون بين يدي.
ولكن أهدافي يلطمها الواقع الأليم عندما ينتبه أحدهما لما أحاول فعله. وتنتهي محاولاتي بالفشل عندما يُطلب مني التراخي والتراجع طوعًا دون تدخل بالقوى.
أحيانًا أختار الخيار الأول، وخاصة إن وجدت هدفًا آخر ألتهي به. ولكنني في العادة أدفع الأمور للخيار الثاني لأن الخيار الآخر أكثر إثارة، ولأنني أشعر أن المماطلة تطيل من محاولاتي وتأخذني أبعد.
بعد فشل محاولتي الأولى أقضي عدة دقائق في البكاء، كما يقضي الراسب ليلته في البكاء، لكي ينقضي ما بداخله من غم، ويستيقظ اليوم التالي بعزيمة تعينه الاستذكار من جديد، والنجاح في الدور الثاني بعد عدة أيام. وإن لم أصل إلى كوب الشاي الساخن فوق الدولاب المرتفع، هذه المرة فسوف أصل إليه في المرة القادمة.
اتخطى ما حدث قبل قليل وأبحث عن هدفي التالي. ها هو ذا يظهر نفسه، اسمع صوت رج الماء في وعاء بلاستيكي صغير، وأرى قارورة ماء في يد أحد الطرفين.
يجب عليّ أن استخدم أساليبي في الاقناع وإلا فشلت، من السهل عليهم ايقافي والهدف بين أيديهم.
اقترب وأشير بإصبعي، أعلمهم بما أريد. يتوقف برهة ويعطيني انتباهه، محاولًا استنباط المطلوب من إشارتي. ينظر إلى ما تمسكه يداه، قارورة ماء صالحة للشرب. يقربها مني برأفة ليسقيني منها، ولكنني أصر على الشرب بنفسي. يواكب مطالبي لبعض الوقت حتى يبدأ بعض الماء بالانسكاب. يُسحب مني هدفي عنوة وتتحطم أحلامي من جديد.
أبكي بصوت أعلى واصرار أكثر هذه المرة، وفي غمرة بكائي أمد يدي طلبًا للعون هذه المرة للوصول لهدفي التالي. ولحسن الحظ دائمًا ما أجد من يمسك بيدي، لأنني بارعة بالإقناع، فمنذ الذي لا يريد للبكاء أن يسكت عنه.
أجر اليد التي مُدت وأسير، وهو يترقب ما أحاول الوصول إليه.
أصل إلى خزانة الأحذية، أعبر عن فرحتي بابتسامة وألتقط أحد الشباشب. يوجد رابط وثيق ما بين الشبشب والذهاب للخارج. وإذا ما لبسته وألبسته لمن معي فسوف نخرج تلقائيًا.
أضع الفردة الأولى عند رجليه وأشير إليه لكي يلبس، ولكنه يأبى ويعيده حيث كان.
أحافظ على تماسكي وأحاول من جديد، ولكنه يأبى مرة أخرى.
لسببٍ ما لا يحدث الأمر ببساطة دائمًا. ولا نذهب للخارج بعد كل مرة نرتدي فيها الحذاء.
أثير نوبة من البكاء بصوت عالي بعد أن فشلت بالوصول لكل أهدافي. كوب الشاي الساخن فوق الدولاب، وقارورة ماء مفتوحة لكي اسكبها في كل مكان، والخروج للتمشي بعد ساعات من البقاء في المنزل.
وفي كل مرة ألعب بلوحة المفاتيح على حاسوب أمي تنزعج من إضافاتي المميزة للنص الناقص، وتتوالى بالرد على الاتصالات المفاجئة إن أرسلت بعض الكلمات إلى محادثات عملها.
هذا ما دار في خلد الطفلة التي تبلغ من العمر سنة ونص، بينما يقضي أبواها يومًا عاديًا في المنزل.
الكاتبة: الطفلة صاحبة الخطط الكبرى، بإشراف لغوي من أمها.
هل أعجبتك القصة وتود مشاركتها مع أطفال العائلة، احصل على النسخة المصورة الآن
0 تعليقات