مقدمة:
يظن الكثيرون أن الكتابة تبدأ عندما يمسك الكاتب القلم ويبدأ بخط الكلمات، أو عندما يفتح شاشة جهازه ويبدأ في الطباعة. ولكن الحقيقة هي أن عملية الكتابة هي عملية مستمرة في الجريان طوال الوقت.
عندما تطرأ فكرة مفاجأة في ذهن الكاتب ويتوقف برهة لتسجيل الفكرة في مذكرته، أو عندما يتناهى إلى سمعه اقتباس يلهمه، أو عندما يحدث أمامه حدث مثير للاهتمام.
يكون الكاتب أيضًا في أحد أطوار الكتابة عندما يقرأ نصًا أدبيًا مكتوبًا ببراعة، أو عندما يستمع إلى شعر يجذب جوارحه.
كل هذا يُسجل في الذاكرة ويُستدعى عندما يأتي وقت الكتابة.
لذلك رغم أن وقت الكتابة الفعلي يكون على المكتب، إلا أن الكتابة تبدأ منذ أول لحظة يفتح فيها الكاتب عينيه حتى يغلقها.
لا تتوقع أن تستلقي على السرير وتنغمس في الفراغ وتظن أن الإلهام سوف يأتي.
في هذا المقال سوف نتكلم عن أهمية الاستعداد للكتابة:
1- تهيئة مكان الكتابة:
من الجميل أن نقضي كل يوم في مكان مختلف. يوم تحت الشجرة، ويوم آخر في أحد المقاهي، ويوم آخر على شاطئ البحر. قد تنتج بعض الصفحات من تلك الأماكن، ولكن وجود مكان ثابت للكتابة في المنزل هو أمر لا يمكن التنازل عنه.
في ماذا تكمن أهمية الطاولة المخصصة للكتابة؟
· ذاكرة المكان:
هل لاحظت أن وجودك في مكان معين يحفز لديك ذكرى لا يولدها أي مكان آخر؟ إن الذاكرة تختزن في المكان، ويستعيدها الدماغ مع كل مرة يخطو فيها لنفس المكان.
كما أن البشر بطبيعتهم يولدون العادات. في كل مرة تجلس على هذا المكتب الذي اتخذته ركنًا للكتابة ستتولد لديك الطاقة الإبداعية، والمقدرة على الانعزال مما دون ذلك. ولكما أجبرت نفسك على القيام بذلك كلما ثبتت تلك العادة أكثر.
· بث الرسائل:
سواء كان فردًا من العائلة، أو صديقًا مقربًا، إن وجودك في تلك المساحة يبث الرسائل لهم، أنك مشغول في الكتابة وغير متوفر لبعض الوقت.
قد لا تصل الرسالة من أول مرة، ولكن مع مرور الوقت سوف يبدأ الناس من حولك تفهم ذلك. مثل الذي يعتكف المكتب لكي يستعد لامتحان مهم أو ينجز عمل يحتم عمله.
· كل ما تحتاجه موجود حولك:
من أقلام ومحايات إلى دفاتر وملفات. كل شيء معد حولك بطريقة منظمة، تقلل من احتمالية التشتت بسبب التوقف والبحث عن شيءٍ ما.
وهذا يقودنا إلى نقطتنا الثانية.
2- أدوات الكتابة:
لك أن تختار ما يناسبك من أدوات:
- أقلامك التي يعجبك حبرها.
- الورق الذي تناسبك جودته، تحتاج في الغالب إلى مقاسات مختلفة. حجم للكتابة، وآخر أكبر منه للتخطيط ورسم الخرائط.
- المذكرات بأنواعها مفيدة للتنقل. مذكرة صغيرة لتدوين الأفكار الصغيرة، وأخرى كبيرة للنصوص والكتابة المطولة.
- الأجهزة اللوحية والحاسوبية للطباعة المباشرة وأيضًا للبحث وتسجيل الأفكار.
3- الانغماس في القراءة:
علينا أن نتفق أنه لن توجد مخرجات دون مدخلات، ومن هذا المبدأ نقول لابد أن يكون الكاتب قارئً قبل أن يكون كاتبًا.
بالمثل لن تجد طبيبًا يمارس الطب قبل أن يتطلع على كتبه ويمارسه تحت إشراف من هم أكثر خبرة.
قبل عصر التقنية كانت لا تُنقل التجارب والعلم إلا بالتلقي المباشر أو الكتابة. كل التجارب التي خاضها البشر يومًا ما سوف تجدها مسطورة في الكتب.
لن تستطيع أن تكافئ المعرفة التي تأخذها من القراءة عن طريق التجربة، خاصة مع أعمار البشر القصيرة. والعكس صحيح، إن المعرفة لا تغني عن التجربة.
استفد مما كتب السابقون وأضف عليه من تجاربك الخاصة.
اطلع على مقال: الكتابة بين الموهبة والتعلّم: كيف تُصبح كاتبًا عبر القراءة؟
كما أن فوائد القراءة لا تقتصر على نقل المعرفة ذاته، بالإضافة إلى ذلك:
- التمكن من اللغة: وهو أمر لا يمكن اكتسابه وحدك، مع القراءة المستمرة ستجد نفسك ضليعًا في اللغة ومتمكنًا في الكتابة، دون جهد واستذكار.
- تكوين شخصيتك ككاتب: من خلال القراءة ستتعرف على ما يعجبك وما لا يعجبك، ومن ذلك تتكون شخصيتك في الكتابة.
4- طقوس الكتابة:
مع زيادة الضغوطات والتوتر في عصرنا الحالي، يصبح المرء في حالة مستمرة من الاستعداد. يبدأ يومه على عجل لكي يلحق بعجلة التنمية، ومن ثم ينهي يومه مرهقًا ومستعدًا فقط للتمدد ومشاهدة التلفاز.
يصعب عليه ركن الانهيارات العصبية الناتجة عن التوتر الدائم والانغماس في الكتابة، أو حتى أي عمل إبداعي.
المقصود بطقوس الكتابة هو تهيئة النفس للخروج من حالة التأهب إلى حالة من الهدوء والاتزان.
كل شخص له طقوسه الخاصة به التي تعينه على الإبداع، يمكنني اقتراح بعض الطقوس، ولكن عليك في النهاية ابتكار طقوسك الخاصة.
بعض الطقوس المقترحة:
- احتساء القهوة أو مشروبك المفضل.
- الجلوس في سكون وتصفية المشتتات.
- عمل معين مثل ترتيب المكان أو التدوين.
- الاستماع لتسجيل صوتي أو موسيقى معينة.
5- عقلية الكاتب:
لا تجعل الكتابة مربوطة بالصدف أو حسب المتاح.
- اعقد النية وحدد أهدافك.
- كون طقوسك حول الكتابة وما يتعلق بها.
- ذكر نفسك بشكل مستمر لماذا تكتب وما هدفك من الكتابة.
- لا تربط الكتابة بالهام عشوائي يأتي متى ما أراد أو لا يأتي إطلاقًا.
- خصص له وقتًا ولا تجعله في وقت الفراغ الذي قد لا يأتي أبدًا.
- ابني تصور مسبق لما ستكتبه، كما يصور الفنان لوحته في رأسه قبل البدء.
حتى مع توفر الظروف المناسبة للكتابة، أو حتى انعدامها، عليك أن تكون في العقلية الصحيحة لكي تكتب.
مع تهيئة نفس مناسبة تستطيع عمل المستحيل حتى وإن كانت الظروف ضدك. وبالمقابل أيضًا لن تستطع استغلال الظروف المثالية إن لم تكن عازمًا على الإنجاز.
خاتمة:
ناقشنا أهمية الاستعداد قبل الكتابة، وكيف أن الكتابة لا تبدأ وتنتهي، بل هي مستمرة طوال الوقت.
الكتابة لا تبدأ عند فتح الحاسوب أو الإمساك بالقلم، بل تبدأ من لحظة الوعي الأولى في يومك، وتمتد في كل ما تقرأه وتسمعه وتشعر به.
إذا استطعت أن تستعد للكتابة في عقلك، ومكانك، وأدواتك، وروحك، فستجد نفسك دائمًا جاهزًا.
اطلع على مقالات أخرى متعلقة بالكتابة من خلال المدونة
أو اقرأ قصصنا القصيرة من هنا
واتركوا لنا المقترحات في التعليقات
0 تعليقات