قصة نجاح


ستة سنوات مضت على ذلك اليوم...

كان الجو ذلك اليوم صحوًا وشديد الحرارة، احتلت الشمس الحارقة كبد السماء وحرقت كل ما تحتها، وهذا كان حال معظم أيام السنة في مكة المكرمة.

كانت بطلتنا رغد تجلس بقرب النافذة وتنظر بملل إلى الخارج. كل شيء أمامها كان يحترق، الورد المتيبس ومعه النحل المختبئ بين طياته، الأغصان المنحنية عجزًا، الورق الذي جف حتى تعذر عليه التمسك فتساقط وكسى الأرضية في غير موسمه، وحتى العشب الصناعي بدا وكأن حريقًا سوف يشب به قريبًا. كل ذلك كان يحدث في الخارج بينما تنعم هي داخل القاعة بالتكييف المركزي البارد. سكنت شكواها عندما قارنتها بشكوى الأشياء المحترقة بالخارج، جميع تلك الأشياء قد غُرست قصرًا وتُركت لتقاسي الجو الصحراوي الذي لا يرحم. ورغم اختلاف الأجواء المحيطة بينها وبين النباتات في الخارج إلا أنها شعرت أنهما تتشاركان في المحيط السام الذي يمنعهم من التبرعم.

أعادت الأستاذة رغد إلى الواقع بعدة خبطات على الطاولة وقالت "وأنتِ يا رغد في أي فريق تمثيلي تريدين أن تكوني؟" ارتبكت وكشف ذلك عن تناحتها التامة. كانوا قد قرروا أثناء رحلتها التأملية أن يقوموا بتمثيلية بسيطة من باب المتعة. تلفتت رغد يمنة ويسرة ورأت المجموعات مكتملة وكلٌ منها متجمهر في ركن للتناقش والإدلاء بالأفكار. أطرقت رأسها وشعرت بالإقصاء.

لاحظت الأستاذة ذلك وبعينيها فحصت المجموعات المختلفة واختارت أقلها عددًا وضمتها إليهم، هكذا وبكل عشوائية دون اعتبار للتطابق والتجانس. قامت رغد من مقعدها وما أن اقتربت منهم حتى صمتوا واتخذوا مقاعدهم، يبدو أنهم قد اتفقوا فيما بينهم على التمثيلية، وتوزعوا الأدوار، ولم يكلفوا على أنفسهم بإخبارها بالخطة. لقد اختارت لها المعلمة أسوأ مجموعة في القاعة. انحيازية ولا تفكر سوى في نفسها، والأسوأ من ذلك أنهم أصدقاء طفولة وهي كالدخيل بينهم.

استجمعت شجاعتها وألقت بالحرج والبؤس جانبًا وسألتهم بعد أن أيقنت أنهم لن يتبرعوا بالقول بأنفسهم "ما هي التمثيلية التي اخترتموها؟" أجابت إحداهن على مضض وكأنها تتفضل عليها بالقول "سندريلا".

لمعت أعين رغد وتذكرت حلم طفولتها في أن تصبح أميرة وتخلت عن الوجف الذي داهمها قبل قليل وقالت "هل يمكنني أن ألعب دور سندريلا؟" أجابوا معًا بصوت واحد "سندريلا ليست سمينة". أحرقت تلك الكلمات قلبها بينما دخل الجميع في نوبة ضحك قاتلة.

انتهى بها الحال بأن تلعب دور الساحرة لكي تحصل على الدرجات المطلوبة، أو ربما لأنها أرادت بشكل ما أن تسحرهم وتأخذهم إلى جحيم ليس له قاع.

تقف الآن رغد بعد ستة سنوات من الحادثة أمام الكاميرات الاحترافية استعدادًا لتصوير مشهد آخر من مسلسل طاش ما طاش، وقد أعطوها في هذا المشهد دور الأميرة. ملأها شعور بالفرح وهي تتذكر ما مرت به وما وصلت إليه. ضحك الجميع يومها لكن انظروا من يضحك الآن.

تعلقت ذكرياتها البائسة بذرات الهواء وذهبت بها إلى مكان سحيق، بينما بقيت شهرتها تشع وتتسع لتسبق التاريخ.

قصة نجاح

    إرسال تعليق

    0 تعليقات